الخامس والخمسون:التضليل الإعلامي بين البعد المكاني والبعد الزماني
من الأمور التي يعتمد عليها الإعلام في عملية التضليل ونشر الوهم والخداع هي موضوع البعد المكاني والبعد الزماني.
ونقصد هنا بالبعد المكاني بعد المكان (المراد إيجاد التضليل عنه أو عما يجري فيه) عن المنطقة الموجود فيها المتابع للإعلام، حيث أن بعد المسافة تجعل الإنسان يتلقى ويسلم بكل ما يراه في الإعلام إلا إن وجد من يفند هذا التضليل أو كان هناك مصدر آخر للإعلام أو كان الشخص واع سياسيا يمحص الأحداث ويحللها.
ونقصد بالبعد الزماني هو الفترة الزمنية التي مرت على الأحداث حيث يكون المتابع الحالي فيها غير مولود أو كان صغيرا ساعة حصول الأحداث بحيث لا يعلم عن تلك الفترة إلا ما قرأه في كتب التاريخ أو في الصحف والمجلات القديمة عن تلك الفترة الزمنية، فيصبح المورد المعلوماتي للمتابع هو كتب التاريخ والصحف والمجلات أو كبار السن ليأخذ عنهم المعلومات. كيف يحصل التضليل في تلك الأمور؟أولا: يحصل التضليل في البعد المكاني للأحداث أن الإعلام يبث ما يريده عن تلك المنطقة من العالم، وفي تلك الحالة فان المتابع سيتلقى تلك المعلومات بالتصديق سواء كانت صحيحة أم كاذبة مضللة، إلا في حالات معينة وهي:
• وجود مصدر آخر للأخبار، فمثلا لو تابع غير السوريين التلفزيون السوري فقط أيام الثورة السورية لظنوا أن النظام السوري يتعرض لحملة شرسة من إرهابيين قتلة مجرمين هدفهم سفك الدماء، ولكن وجود مصادر أخرى للمعلومات وبالذات الإنترنت جعل كذب النظام السوري يظهر على العلن.
• ربط الأحداث بوجهة النظر في الحياة، فمثلا لو سمعنا أن حاكما يحكم بالعلمانية وحقق عدلا منقطع النظير لشعبه لشككنا بالأمر لأن تطبيق العلمانية لن يجلب إلا الشقاء حتى لو كان هذا المصدر الوحيد للمعلومات.
• ربط الأحداث بالمعلومات السابقة عن الحدث لحين التأكد من الأخبار، فأن تسمع مثلا أن إيران انقلبت على أمريكا وبدأت بقصف القواعد الأمريكية في المنطقة، وأنت تعرف كم دعمت إيران أمريكا في المنطقة، فإن هذا الخبر ولو كان له مصدر وحيد سيجعلك تتريث بتصديق الخبر، وقلنا هنا نتريث ولا نكذب فورا لأنه ربما يكون هناك مثلا انقلاب عسكري قلب النظام رأسا على عقب أدى لتلك الأحداث، بينما في النقطة السابقة وهي تحقيق العدل المنقطع النظير من تطبيق العلمانية كذبناه فورا لأنه يخالف سنن الحياة ولذلك يكذب فورا ولا داعي للتريث للحكم عليه.
ثانيا: يحصل التضليل في البعد الزماني كثيرا، ومن أهداف التضليل في البعد الزماني:
• تلميع مؤسسي جهة معينة لكي يتم بث الحياة فيها، وذلك مثل استمرار حركة فتح مثلا بتلميع مؤسسها وقائدها الأول ياسر عرفات على أنه شهيد ورفض المساومة على قضية فلسطين، وبأنه كان بطلا متصديا ليهود، مع أن الحقيقة أنه خائن وهو من أسس كل هذا الفساد والخيانة والتي خلفه فيها محمود عباس، حيث أن محمود عباس وكل مساوئ السلطة سببها ياسر عرفات، ويأتي التضليل هنا في أن ترى شبابا صغارا يقاتلون ويقولون أنهم على نهج ياسر عرفات وأنهم بريئون من محمود عباس وجماعته، ولو علموا الحقيقة لتبرؤوا من كل حركة فتح ومن كل يتعلق بها، ولكنه التضليل الإعلامي المستمر.
• تشويه مؤسسي جهة يراد النيل منها حاليا، وذلك مثل اختلاق الأكاذيب عن مؤسسي جهة معينة كي يتم تنفير الناس منها في الزمن الحاضر، وذلك مثل من ادعى أن الشيخ تقي الدين النبهاني كان يتردد على السفارات الغربية لتنفير الناس من حزب التحرير وهو ادعاء كاذب طبعا، ومثل تركيز البعض على حدث وليّه كما يشتهون مثل تركيزهم على مشاركة الشيخ أحمد الداعور في دخول البرلمان الأردني واتخاذه مبررا للمشاركة في أنظمة الكفر، مع أن الشيخ أحمد الداعور دخل للمحاسبة فقط وكان غير معترف بكل أنظمة الكفر كما يحصل اليوم.
• ضرب حكام حاليين انقلبوا على النظام السابق، وذلك مثل إظهار حسنات حاكم سابق فقط والتركيز عليها وعدم ذكر مساوئه الكثيرة، وذلك لتشويه صورة الحكام الجدد أنهم مجرمون انقلبوا على الزعيم الصالح والذي خدم الأمة، وذلك مثل قصة صدام حسين على سبيل المثال فالتركيز على حسناته فقط وإظهار مساوئ حكام العراق الجدد يراد منه ضرب صورة الحكام الجدد، مع أن صدام حسين وحكام العراق الحاليين كلهم مجرمون لا فرق بينهم، ولكن الإعلام يظهر حسنات السابقين ليضرب الحكام الحاليين، وهذا طبعا ليس دفاعا عن الحكام الجدد فهم مجرمون قتلة مرتزقة لا هم لهم إلا خدمة الكفار.
• صورة معاكسة للنقطة السابقة وهي إظهار مساوئ الحكام السابقين وذلك لتبرير الانقلاب الذي قام به الحكام الجدد وأنهم خلصوا الناس من الظلم، وذلك مثلما حصل عند انقلاب ما يسميه الإعلام "الضباط الأحرار" في مصر على النظام السابق حيث بدا الإعلام في ذكر مساوئ النظام السابق ليبرر لجمال عبد الناصر وجماعته الانقلاب، مع أن الذي حصل هو تحويل مصر للنفوذ الأمريكي وضرب النفوذ البريطاني والنهاية كلهم عملاء للكفار.
• البناء على غش سابق، وذلك مثل أن الإعلام لا يبحث أمورا سابقة ويعتبرها مسلمات ويبني عليها، ويعتبر الأمور الجديدة هي التي تناقش فقط، وخذ مثالا على ذلك قضية فلسطين والأقصى فالإعلام الماكر أصبح يعتبر وجود يهود والتضييق على المصلين في الأقصى والمفاوضات والتنسيق الأمني وكثرة الحواجز الصهيونية والمغتصبات (المستوطنات) التي تبني يوميا والتطبيع في العالم الإسلامي مع يهود أمرا طبيعيا، أما أن يضع الاحتلال مثلا بوابات الكترونية على أبواب الأقصى فهذا أمر يجب التصدي له، فالإعلام المجرم أهمل كل الإجرام السابق والذي يفوق البوابات الالكترونية مئات المرات وركز على البوابات الالكترونية، حتى إذا أصبحت طبيعية لا قدر الله جعلها من المسلمات وبنا عليها، فالإعلام الماكر يبني على الغش السابق ولا يظهره ويحاول أن يظهر فقط ما يستجد من أحداث، وهذا في قضية فلسطين وقس عليها تسليم الإعلام مثلا بانفصال جنوب السودان واعتباره أمرا طبيعيا والحديث في شؤون السودان الجديد (شمال السودان)، وقس عليه بزمن ابعد وهو اعتبار الإعلام أن الحدود الحالية وتقسيمات الاستعمار أمر مسلم به ويجب الحدث فقط في كيفية النهوض بالمجتمع في ظل هؤلاء الحكام، وقس عليه الكثير من الأمثلة.
أما السلاح للتصدي لهذا النوع من التضليل بشقيه المكاني والزماني فيكون بـ:• متابعة الأخبار من عدة مصادر، من عدة فضائيات، المؤيدة والمعارضة، من التلفزيون ومن الإذاعة والصحافة والانترنت.
• تمييز مصادر الأخبار بين موالية ومؤيدة، حتى يمكن تحليل الخبر بدقة عن تلك الجهة.
• عدم التسرع في الحكم على الأحداث أبدا حتى تنجلي الصورة أكثر وأكثر.
• تمييز الجهات التي تبث الأخبار مع الأخذ في عين الاعتبار وجهة النظر في الحياة عن تحليل تلك الأخبار، وهذه في عالمنا الإسلامي لن تجدها إلا مواقع انترنت ومحارَبة من الأنظمة.
• مجالسة كبار السن ممن يتوسم فيهم الخير ممن عاصروا أحداثا سابقة وسؤالهم واخذ رأيهم فيما حصل سابقا، أو متابعة مواقعهم على الانترنت إن لم يمكن الجلوس معهم.
• الانضمام إلى الأحزاب السياسية المخلصة التي يكون مبدؤها الإسلام والتي تعمل لصالح امة الإسلام، فان تلك الأحزاب ستزود الشخص بالمعلومات الحقيقية والمنقحة والمبلورة عن الأحداث في العالم، وإن لم يتم الانضمام لها لأي سبب فيمكن متابعة مواقعها الإعلامية.
والخلاصة أن هذه النقاط في الحديث هي مختصرات، وإلا فإن الإعلام يضلل معتمدا على البعد المكاني الزماني كثيرا، ولكن وضعتها ليدرك المتابع المصائب الطامة التي تنزل على رؤوس المسلمين من وراء عمليات التضليل الإعلام ومدى أثرها على حياتنا، فالوعي الوعي أيها المسلمون على ما يجري حولكم.
https://www.facebook.com/145478009128046/ph...e=3&theater