أختي الفاضلة ( أمة الله ) أسعدها الله
وحتى يطمئن قلبك أنني لا أسمي المسميات جزافا بل وبكل تأكيد فإني أسمي المسميات بما هو أهل لها، أنقل لك هنا شطر من جواب الشيخ أبو إياس ورد في الطبعة الرابعة 2012 من كتابه ( مسائل قفهية مختارة ) :
إقتباس
ثم كيف يدَّعي في البند الأول أن القول بعدم صلاح خبر الواحد لإثبات العلم ومن ثم العقيدة يستلزم ردَّ الروايات الصحيحة بمجرد تحكيم العقل ؟! وأين تحكيم العقل هذا ؟ انظروا معي إلى هذه الآيات القرآنية المحكمة الدلالة التي نستند إليها في رفض خبر الواحد لإثبات العقيدة :الآية 28 من سورة النجم : (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴿٢٨﴾ الآية 20 من سورة الزخرف وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ۗ مَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴿٢٠﴾ الآية 24 من سورة الجاثية: ( وقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ) . وكثير غيرها تنعى على الناس الأخذَ بالظن في العقائد وعدم الأخذ بالعلم ، ثم يأتي عبد المؤمن ويرمينا بردٍّ الأحاديث الظنية في العقائد بمجرد تحكيم العقل ؟!
ونأتي إلى البند الثاني ، وإني لأعجب مما جاء فيه أكثر من عجبي مما جاء في البند الأول ، فهو , غفر الله له , لا يكاد يفرِّق بين المسائل العملية والأمور العلمية الاعتقادية ، فالمسائل العملية الفقهية لا يكاد المسلمون يتفقون عليها ، ففي كل مسألة فقهية نجد عدة آراء ، بينما لا نجد المسلمين يختلفون في المسائل العلمية أي العقائد إلا من ضلَّ منهم وخرج على سبيل المؤمنين . وأعجبُ من هذا الادعاء القولُ إن تخصيص هذه الأدلة بالأحكام دون العقائد تخصيص دون مخصِّص ، وكأنه لم يقرأ الآيات القرآنية الناطقة بعدم جواز أخذ العلم والعقيدة بالظن ، ولم يرها مخرجةً العقائد من أخبار الآحاد . أما ما جاء في البند الثالث ، فالرد عليه من وجوه :
أ- إن العقيدة الإسلامية عقيدة عقلية يحتاج إثباتها إلى إعمال العقل والتفكير ، وأعني بالعقيدة هنا أُصولَها ، فإثبات وجود الله ، وأن القرآن من عند الله سبحانه ، وأن محمداً رسول الله ، هذه العقيدة يجب أن يدركها العقل ويقيم عليها الدليل وإلا لم تكن عقيدة ، وما أكثرَ ما جاء في كتاب الله سبحانه من الطلب من الناس أن يتفكروا ويعقلوا وينظروا ، ولم يرسِلْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن ورُسلاً إلى الملوك لمجرد تبليغهم بالعقيدة وأن ذلك كاف لجعلهم يحملونها ويتركون ما يخالفها .
ب- هناك تبليغٌ وهناك إقناعٌ عقلي عقب التبليغ ، فالتبليغ بالعقيدة يكفي فيه شخصٌ واجد ، فهو مجرد ناقل لها ، وهو ما قام به رسلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حين أُرسلوا لليمن وللملوك في ذلك الزمن , ولكن هؤلاء الرسل والمبعوثين لم يكن يُكتفى منهم مجرد التبليغ ، وإنما – وهم كانوا قد حملوا العقيدة بقناعة عقلية ومحاكمة عقلية – كان عليهم مناقشةُ الناس بهذه العقيدة وإتيانُ الدليل العقلي على صحتها ، وبدون هذا لا يُتصوَّر أن يقبلها أحدٌ بمجرد سماعها .
ج- أما الإيمان بالملائكة وبالجنة والنار وأخبار الأنبياء وما شابهها فهذه عقيدة نقلية ثبت أصلُها بالدليل العقلي ، فما دام القرآن الكريم ثبت بالدليل العقلي وأنه كلام الله ، فإن ما جاء فيه يَثبت صوابُه وصدقُه ويُعتقد به ، فالإيمان بالملائكة وبالجنة والنار وبأخبار الأنبياء , وإن كان وصلنا بالنقل , إلا أن مصدر النقل هذا قد ثبت الاعتقاد به بالمحاكمة العقلية ، وبالتالي فإن كل عقيدة في الإسلام يجب أن تثبت بالمحاكمة العقلية إما مباشرة , وإما بورودها فيما ثبت بالمحاكمة العقلية .
وبناء على كل هذا يجب أن يُفهم موضوع إرسال معاذ إلى اليمن وإرسال الرسل إلى الملوك ، وأن كل ذلك إنما قُصد به تبليغ العقيدة ليتبع التبليغَ التفكُّرُ والمحاكمةُ العقلية ، فيسلم من أسلم بقناعة عقلية ، ويرفض الإسلام من يرفض بقناعته العقلية .
يتضح من كلِّ ما سبق أن حجة القائلين بحجية خبر الواحد في العلم والاعتقاد ضعيفة لا تصمد أمام النقاش , ولا أمام الآيات القطعية الدلالة التي تحذر الناس من الاعتقاد بالظن وترك العلم والجزم فيه .
وأسأل العلماء القائلين بأن خبر الواحد يفيد العلم والاعتقاد سؤالاً بسيطاً هو : هل تكفِّرون من لا يعتقد بما ورد في خبر الواحد من عقائد ؟ فإن قالوا : لا نكفِّرهم , قلنا لهم إذن ليست هذه عقائد ملزمة للمسلمين وإلا لكفر منكروها ، وإن قلتم بتكفيرهم فقد أخرجتم من دين الله جماهير المسلمين قديماً وحديثاً ، وهذه جرأة ما أراكم تقدرون عليها ولا تستطيعون تحمُّل تبعاتها . والله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل .